قاهر المستحيل: كيف ألهم عمار بوقس المجتمع السعودي في حياته وبعد رحيله
أعلنت وسائل الإعلام السعودية في 14 نوفمبر 2024 عن وفاة الدكتور عمار بن هيثم بن عبد الله بوقس، الكاتب الصحفي المعروف بقدرته على تجاوز التحديات، عن عمر يناهز 38 عامًا بعد صراع طويل مع مرض ويردنغ هوفمان. عُرف بوقس بلقب “قاهر المستحيل” لشجاعته وإصراره على التغلب على مرض ضمور العضلات الشوكي، الذي عانى منه منذ طفولته. كانت حياته رحلة ملهمة لمن عايشه وعرفه، وخبر وفاته أحزن محبيه في السعودية وخارجها، حيث ترك وراءه إرثًا من القوة والصلابة.
مرض ويردنغ هوفمان: التحدي الأكبر في حياة عمار بوقس
عانى عمار بوقس من مرض ويردنغ هوفمان، المعروف علميًا بـ”الضمور العضلي الشوكي من النوع الأول”، وهو مرض وراثي نادر يُضعف العضلات تدريجيًا بسبب خلل في الأعصاب الحركية التي تتحكم في حركة العضلات. يعتبر هذا المرض من أكثر أنواع الضمور العضلي الشوكي حدة، وغالبًا ما يبدأ في سن مبكرة، مما يؤدي إلى تدهور القدرة على الحركة. ورغم التحديات الصحية الجسيمة التي فرضها عليه المرض منذ الصغر، ظل عمار يقاوم بإصرار وقوة إرادة لا تنكسر.
بداية الرحلة: تحديات التعليم المبكر
وُلد عمار بوقس عام 1986 في ولاية ويسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية لأبوين سعوديين، وقد ظهر عليه المرض في سنواته الأولى، مما جعل تحركاته محدودة جدًا. استمر في العيش في أمريكا حتى بدأ تعليمه الابتدائي، حيث واجه صعوبة في الالتحاق بمدارس مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة. عند عودته إلى المملكة العربية السعودية، ازداد الأمر صعوبة، حيث واجه مشاكل في قبول المدارس المحلية له كطالب منتظم بسبب حالته الصحية.
إلا أن جده، الأستاذ عبد الله بوقس، وهو شخصية تعليمية بارزة، لعب دورًا رئيسيًا في دعمه عبر التوسط لقبوله كطالب بنظام الانتساب في المعهد العلمي بجدة. ورغم ذلك، كان عمار يرفض أن يكون محصورًا داخل قيود مرضه، وواصل تعليمه بإصرار ليحقق نتائج دراسية متميزة، حيث تخرج من المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز وبنسبة 96%، ليواصل طموحه العلمي الذي لا يعرف المستحيل.
إنجازات أكاديمية رفيعة
واصل عمار مسيرته التعليمية ليحصل على درجة البكالوريوس في الإعلام والعلاقات العامة من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، متصدرًا قائمة الطلبة بمعدل 4.73 من 5. كانت هذه المرحلة الجامعية إحدى محطات حياته الملهمة، إذ لم يمنعه المرض أو قلة حركته من متابعة دراسته كطالب منتظم. عزز هذا التفوق الأكاديمي ثقته بنفسه ودفعه للاستمرار رغم كل العقبات، مما جعله مثالاً حيًا للشباب حول القدرة على تحقيق الأهداف.
مسيرة مهنية حافلة بالنجاح
بعد تخرجه، بدأ عمار بوقس مسيرته في الصحافة السعودية، حيث التحق بصحيفة “المدينة” ككاتب رياضي، ليبني مسيرته المهنية بإبداع وتأثير. بعد خمس سنوات من العمل الجاد، انتقل إلى صحيفة “عكاظ”، حيث استطاع بناء قاعدة جماهيرية له بفضل أسلوبه الفريد والمميز. كانت الصحافة ميدانًا يُتيح له التحدث عن قضايا المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما عزز مكانته في الوسط الإعلامي وساعده في إيصال رسالته الإنسانية.
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة
يُعد حفظ عمار للقرآن الكريم خلال سنتين وهو في الثالثة عشرة من عمره من أبرز إنجازاته الروحية. كانت هذه الخطوة تعبيرًا عن إيمانه العميق وقوة عزيمته، وقدرة الله على منحه القوة رغم الصعوبات الصحية. كان يؤمن أن حفظ القرآن الكريم يساعده في الحفاظ على سلامه النفسي وفي التعايش مع مرضه، ويذكر أنه كان يتمنى أن يتمكن من السجود ولو لعشر ثوانٍ شكرًا لله على نعمة النجاح والصحة.
عمار بوقس والزواج
على الرغم من مرضه، أسس عمار بوقس حياة أسرية سعيدة، حيث تزوج منذ ثلاث سنوات وكان يعيش حياة مستقرة مع زوجته التي كانت دائمًا بجانبه. تحدث في عدة مناسبات عن سعادته في حياته الزوجية وأثرها الإيجابي على مشاعره ومعنوياته. كان الدعم العائلي عاملًا رئيسيًا في مسيرته، وأكد مرارًا أن عائلته وأصدقاءه كانوا سببًا في استمرار طموحاته وإصراره على تحقيق المزيد من الإنجازات.
مبادرة دعم ذوي الإعاقة
في عام 2014، أطلق عمار بوقس مبادرة لدعم الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتشجيعهم على تحقيق أحلامهم وإبراز قدراتهم. لم تتوقف طموحاته عند المبادرة، إذ تحولت إلى جمعية رسمية في عام 2018 تحت إشرافه، وهدفها تقديم الدعم اللازم للشباب من ذوي الإعاقة ليبرزوا مواهبهم في مختلف المجالات. كانت هذه الجمعية امتدادًا لرؤية عمار بوقس الإنسانية والتي لم تقتصر على نجاحه الشخصي فقط، بل على مساعدة المجتمع بشكل أوسع.
كلمات مؤثرة عن وفاته
بمجرد إعلان خبر وفاته، عبّر الكثيرون عن حزنهم لفقدان هذه الشخصية الملهمة، حيث أبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من الشخصيات العامة والإعلاميين في المملكة عن مشاعرهم المؤثرة. وصفه العديد منهم بالرجل الشجاع الذي تحدى القيود الجسدية وحقق نجاحًا غير مسبوق في مجاله، مؤكدين أنه سيظل رمزًا للشباب الباحثين عن الأمل والنجاح رغم الصعوبات.
إرث عمار بوقس ودروسه الملهمة
ترك عمار بوقس إرثًا كبيرًا من الإنجازات والدروس الملهمة للأجيال القادمة. أثبت أن النجاح لا يأتي من الجسد القوي بل من العزيمة القوية، وأن الإرادة الصلبة يمكن أن تتغلب على أصعب التحديات. لقد ألهم مئات الشباب والشابات في السعودية، وكان مثالًا حقيقيًا على أن العزيمة والإصرار يمكن أن يكونا الدافع الرئيسي لتحقيق الأهداف.
رحل عمار بوقس، ولكن قصة كفاحه وأمل حياته ستبقى حية في قلوب محبيه، وستظل مصدر إلهام للشباب ليتخطوا مصاعب الحياة بقوة وإيمان.