من هو عبد الباسط الساروت؟ قصة منشد الثورة السورية الذي خلّد اسمه في ذاكرة الشعب

يعد عبد الباسط الساروت من الشخصيات الرمزية البارزة التي ارتبطت باسم الثورة السورية منذ بداياتها، وكان له دور كبير في تحفيز الشعب السوري على التمرد ضد النظام القمعي، حيث سطع اسمه بين الثوار وفي قلوب السوريين كمنشد للحرية، وأيقونة من أيقونات الثورة. ولد الساروت في الأول من يناير 1992 في مدينة حمص السورية، وعاش وتربى في كنف عائلة سورية محافظة، ليصبح من أبرز الشخصيات في تاريخ الثورة السورية.

ورغم أن عمره لم يتجاوز السابعة والعشرين عندما رحل عن الدنيا في 8 يونيو 2019، إلا أن إرثه لا يزال حيا في قلوب الملايين الذين تأثروا بموسيقاه وأشعاره، فضلا عن تضحياته الكبيرة في معارك الدفاع عن الشعب السوري ضد النظام السوري.

النشأة والمواهب الرياضية

وُلد عبد الباسط الساروت في حي البياضة في مدينة حمص، وهو ينحدر من عائلة عريقة في المنطقة. وقد نشأ الساروت في بيئة رياضية، حيث كان شغوفًا بكرة القدم منذ صغره. بدأ عبد الباسط لعب كرة القدم في نادي الكرمة بحمص، الذي يعد من الأندية العريقة في المدينة، ومن ثم أصبح أحد لاعبي المنتخب السوري للشباب.

لكن حبه لكرة القدم لم يكن ليمنعه من اكتشاف موهبته الكبيرة في مجال الإنشاد، حيث كانت لديه القدرة على التأثير في الناس عبر صوته الجميل. ورغم أنه كان في البداية يعشق اللعب في الملاعب، إلا أن الثورة السورية كانت هي التي جلبت له الشهرة الأكبر، وحوّلته من لاعب كرة قدم إلى منشد الثورة.

الصوت الذي هزَّ القلوب

كان عبد الباسط الساروت يمتلك صوتًا عذبًا قادرًا على جذب انتباه كل من يستمع إليه. ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، قرر أن يكرس صوته لخدمة قضية وطنه والشعب السوري، فبدأ ينشد للثوار ويغني للوطن تحت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.

كانت أولى أغانيه التي انتشرت على نطاق واسع هي “يا حيف يا سوري”، التي عبرت عن أوجاع السوريين وتطلعاتهم إلى الحرية والكرامة. وسرعان ما أصبح الساروت رمزًا للثوار في جميع أنحاء سوريا، وتوجهت أنظاره نحو المظاهرات والاعتصامات التي اندلعت في شوارع المدن السورية.

منشد الثورة في قلب المعارك

رغم تميز عبد الباسط الساروت بصوته الرائع، إلا أنه لم يتوقف عند مجرد الإنشاد والغناء في الساحات. بل كان، مع بداية الثورة، جزءًا أساسيًا من المواجهات العسكرية ضد قوات النظام السوري. انضم الساروت إلى صفوف فصائل المعارضة المسلحة، وشارك في العديد من المعارك الدائرة في مناطق مختلفة من سوريا، بما في ذلك منطقة شمال حماة التي شهدت استشهاده.

كان الساروت يقدم الدعم المعنوي لرفاقه في القتال من خلال أغانيه الحماسية التي كانت ترفع الروح المعنوية للثوار، وفي ذات الوقت كان يشارك في العمليات العسكرية بنفسه، حاملًا السلاح إلى جانب الكلمة. كانت أغانيه تُستخدم كمحفزات للجنود والمقاتلين، وكان صوته يُردد في الجبهات كصيحة من الأمل والتحدي في مواجهة آلة القتل والدمار التابعة للنظام السوري.

مسيرة مليئة بالألم والتحديات

منذ بداية الثورة السورية، عاش عبد الباسط الساروت أيامًا مليئة بالمآسي والدماء، ورغم أنه كان يُعتبر أحد أبرز المنشدين الذين يعبرون عن وجع الشعب السوري، إلا أن حياته لم تكن خالية من الأزمات والصراعات. في بداية مسيرته الثورية، كان الساروت يعيش في مدينة حمص، التي كانت واحدة من أبرز معاقل الثورة السورية، وشهدت المدينة في تلك الفترة العديد من المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السوري.

كان الساروت شاهدًا على هذه الأحداث الدامية، وكانت أغانيه تعكس محنة الشعب السوري في مواجهة القمع، وتصور ما كان يحدث من قصف وتدمير للمنازل. وفي عام 2013، اضطر الساروت إلى مغادرة مدينة حمص بعد أن أصبحت المدينة شبه محاصرة من قبل القوات الحكومية، حيث انتقل إلى مناطق الشمال السوري التي كانت تحت سيطرة الفصائل الثورية.

خلال هذه الفترة، تزايدت التحديات التي واجهها الساروت، خاصةً بعدما أصيب في معركة إدلب في عام 2019، وهو ما كان له أثر كبير على صحته الجسدية والنفسية. ومع ذلك، استمر في حمل السلاح والمشاركة في الدفاع عن الأراضي السورية.

الوفاة والرحيل عن الدنيا

في 8 يونيو 2019، كان الساروت في معركة ضد قوات النظام السوري في شمال حماة، حيث تعرض لإصابة خطيرة في رأسه. وقد نُقل إلى المستشفى إلا أنه توفي متأثرًا بجروحه بعد ساعات من الإصابة، ليخسر الشعب السوري أحد أبطال الثورة الذين وقفوا في وجه الظلم. كان رحيل الساروت مفاجئًا ومؤلمًا للكثيرين، فقد ترك فراغًا كبيرًا في قلوب الملايين الذين تعاطفوا مع قضيته، وارتبطوا بصوته الجميل وكلماته التي كانت تعبيرًا صادقًا عن أحلام السوريين في الحرية.

دفن الساروت في مقبرة الدانا في شمال سوريا، حيث شيعته حشود كبيرة من الثوار وأبناء الشعب السوري، الذين ودعوه باعتباره أحد أبرز أبطال الثورة. وفي الوقت نفسه، عُرفت الساروت بكونه شخصية محورية في مسار النضال السوري، وصوتًا رافق الثورة حتى لحظاتها الأخيرة.

الساروت بعد وفاته: إرث دائم لا يموت

بعد رحيله، ترك عبد الباسط الساروت إرثًا عظيمًا من النضال والثورة. رغم أن عمره كان قصيرًا، إلا أن دوره في الثورة السورية لا يُنسى. فقد أصبح الساروت رمزًا للقوة، الصمود، والكرامة، كما ظل صوته يُردد في كل زاوية من زوايا سوريا، وعلى لسان كل من ينشدون الحرية.

في السنوات التي تلت استشهاده، ظلت أغانيه وأشعاره تُلهم الناس في كل أنحاء سوريا، لتبقى روح الساروت حية في قلوب الشعب السوري المقاوم. كما أن العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية اعتبرت الساروت أحد أبرز الشخصيات التي سعت إلى إبراز معاناة الشعب السوري أمام العالم، وقد قدمت العديد من التكريمات لذكراه.

خاتمة: الساروت، منشد الثورة السورية

يبقى عبد الباسط الساروت أحد رموز الثورة السورية التي لا يُمكن أن تُنسى. بصوته العذب، وبأغانيه التي كانت تُشعل الحماسة في النفوس، وبرؤيته الواضحة في مقارعة الظلم، أصبح الساروت صوتًا للأحرار وصورة لروح الثورة السورية. ورغم أنه غادر هذا العالم، إلا أن تضحياته لا تزال تلهم الأجيال القادمة، وستظل ذكراه حية في قلب كل سوري يسعى للحرية والكرامة.

نورا الحسن

محررة متعددة المهارات تتميز بقدرتها على التكيف مع مختلف المجالات. تقدم محتوى يجمع بين الفائدة والإثارة، ويعكس اهتمامات قراء من مختلف الخلفيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى