خطبة عن بدع شهر رجب 1446: كيف نتجنب الوقوع في الخطأ في هذا الشهر الفضيل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أمرنا باتباع السنة ونهانا عن البدع، وجعل لنا في دينه خير الهدى والنور. نحمده سبحانه على نعمة الإسلام، ونشكره على أن بعث فينا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم ليُعلمنا ديننا ويهدينا إلى الصراط المستقيم. اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وإن أصدق الحديث هو ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، وإن أبعد الناس عن السنة هم الذين يبتدعون في الدين بدعًا لا أصل لها في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وأهم ما سنتحدث عنه في هذه الخطبة هو التحذير من البدع، لا سيما تلك التي تحدث في شهر رجب، وهو شهر له مكانة عظيمة في قلوب المسلمين جميعًا.
الخطبة الأولى:
التعريف بالبدع وأسبابها: إنَّ البدع في الدين هي ما أضافه الناس من عبادات أو عادات أو أعمال ليس لها أساس من الكتاب والسنة. فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” (المائدة: 3). فمنذ ذلك الحين، لا يجوز إضافة شيء إلى دين الله، لا في العبادة ولا في العادات.
إنَّ البدع قد تنتشر لأسباب عدة: منها الجهل، ومنها العادة التي استقرّت في المجتمعات الإسلامية بدون علم أو فهم حقيقي للسنة النبوية. وقد يظن البعض أنَّ إضافة شيء من العبادات أو الاحتفالات الخاصة بشهر رجب أو غيره من الشهور أمرٌ محببٌ أو مستحبٌ، بينما هو في الحقيقة من التحريف الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم.
بدع شهر رجب:
لقد ورد في العديد من المجتمعات الإسلامية اليوم أعمال أو عبادات يتم تحريص الناس عليها في شهر رجب، ولكنها لا أساس لها في الشرع. من بين هذه البدع المشهورة ما يتعلق بصلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وهي بدعة مستحدثة ولا يوجد لها أي دليل في القرآن الكريم أو السنة النبوية. فعن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أي حديث صحيح يخص تلك الصلاة أو يدعو إليها.
كما أن هناك من يعتقد أنه يجب صيام أيام معينة من شهر رجب، مثل اليوم الأول من الشهر، أو تخصيص أيام بعينها لصيامها دون دليل شرعي. وهذا أيضًا من البدع التي يجب الحذر منها والابتعاد عنها.
أهمية التزام السنة في شهر رجب:
إنَّ شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي تميزت بمكانة عظيمة في الإسلام، وقد خصه الله سبحانه وتعالى بفضائل عظيمة، مثلما خصه ببعض الأعمال الصالحة التي يثاب عليها المسلم إذا التزم بها. ولكن لا يجوز للناس أن يضيفوا إليه أعمالًا أو عبادات ليست من دين الله، فالتزام السنة والعمل بها أفضل من أي عبادة مبتدعة.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (متفق عليه). وهذا الحديث يوضح لنا أن أي عمل غير مشروع نضيفه إلى ديننا من شأنه أن يُرفض ويُردّ.
الخطبة الثانية:
كيفية تجنب البدع في شهر رجب:
إنَّ المسلم الحق هو الذي يتمسك بالسنة ويتبعها في عباداته وسلوكياته. ونحن في شهر رجب يجب أن نُركز على الأعمال التي وردت في السنة النبوية بشكل عام وفي الشهور الحرم بشكل خاص. من بين هذه الأعمال:
- الاستغفار والدعاء: يجب على المسلم أن يستغل الفرصة في هذا الشهر الكريم للإكثار من الاستغفار والدعاء، خاصة في أيامه ولياليه المباركة. فهذا من أعظم الأعمال التي تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى.
- الصدقة: شهر رجب فرصة عظيمة للإكثار من الصدقات، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن “الصدقة تطفئ غضب الله”.
- صيام الأيام المستحبة: لا مانع من صيام بعض الأيام في شهر رجب، مثل صيام يوم الاثنين والخميس، ولكن يجب أن نعلم أنه لا يوجد تخصيص لصيام أيام معينة من هذا الشهر إلا ما ورد في السنة العامة.
- الذكر: من أعظم ما يمكن أن يفعله المسلم في شهر رجب هو الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، سواء كان بالتسبيح أو التحميد أو التكبير أو قراءة القرآن الكريم.
كيفية مواجهة البدع:
إنَّ مواجهة البدع تكون بالتعليم والوعي الشرعي. يجب على كل مسلم أن يكون واعيًا بتعاليم دينه وألا يتبع أي بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الصدد، يجب على العلماء والدعاة أن يُبينوا للناس مخاطر البدع وأثرها على الدين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها” (رواه مسلم).
ويجب على المسلم أن يتعلم ويفهم الدين من مصادره الصحيحة، وأن لا يتبع أي أعمال لم يُصرح بها في السنة النبوية. ففي شهر رجب، يجب أن يظل المسلم على حاله من العبادة والطاعة دون أن يتأثر بالبدع التي قد تروجها بعض المجتمعات.
الختام:
أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، وأن نحرص على التمسك بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وألا نبتدع في الدين شيئًا لم يأذن به الله تعالى. كما أوصيكم بأن تتبعوا الحق وتبتعدوا عن كل بدعة تضل الطريق، فالله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع ما جاء في الكتاب والسنة، وأعطانا فيهما الكفاية والبركة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعمل بما يحب ويرضى، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم، وأن يبعد عنا كل بدعة في الدين. اللهم آمين.
الدعاء:
اللهم اجعل هذا الشهر المبارك شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار، واجعلنا من أهل السنة والجماعة، واجعلنا من الذين يتبعون هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين. اللهم آمين.